وقولوا للناس حسناً! - 8 يونيو 2016
2021-10-11 604
حينَ ظهرت شبكاتُ التواصل الاجتماعيِّ (Social Media) لأول مرةٍ رأى فيها العقلاءُ فرصة حقيقية لتعزيز الوعي المجتمعيّ، وتوثيق التواصل الاجتماعيّ، وإتاحة الفرصة للمواهب المدفونة لتجد سبيلها إلى أعين المتلقين وآذانهم.
وقد قامت هذه الشبكات بهذه الأدوار الإيجابية بشكل جيدٍ، إلا أنَّ نسقاً سلبياً بدأ يتسلل إليها، ويعلو صوته يوماً بعد يوم.
هذا النسق الشاذّ حوَّل هذه التقنية العالية إلى مستنقعٍ رديءٍ للسبابِ والشتائم والتشهير والإساءة، بدل أن تكون روضةً غناءَ مليئةً بكلِّ معجب ٍمطربٍ.
والموصول اليوم بهذه الشبكات يلحظُ تنامياً مزعجاً للاستهتارِ بحرماتِ الناسِ وأعراضهم، وتسارعاً مقيتاً لتلقّفِ الإشاعاتِ ونشرها دون تحققٍ ولا تثبُّتٍ.
تساءلتُ: ما الذي يحملُ شخصاً طبيعياً على أن ينتحل اسماً مستعاراً ثم يتتبع الناسَ من المسؤولين وغيرهم فيشتم هذا، ويسب ذاك، ويتهم الثالثَ، ويروج إشاعة عن الرابع؟
ما الذي يجعله يتتبعُ كل سقطةٍ فيطير بها فرحاً، فإذا لم يجد اخترعَ من عند نفسِهِ سقطاتٍ ووزعها على الناس كما يحلو له؟
كيف يرتضي مؤمنٌ بالله واليومِ الآخرِ أن يخوض خوضاً في النميمة والغيبةِ والبهتانِ، وهو يقرأ قوله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)؟
كيف لمن يتلو في قرآنه: (وقولوا للناس حُسناً) أنْ يختارَ في قوله القبيحَ المرذولَ؟
كيف لمن قال له ربه: (فتبيّنوا) أن يكون أسرعَ شيءٍ إلى نشر الأكاذيب؟
هل هي التربية؟ هل هو الانسياقُ وراءَ المجموع؟ هل هي الأنا الزائفة والبطولات الوهمية؟ هل هي العقلية المغلقة الملغّمة بالأفكار الحدَّيةِ؟
أسئلة كثيرةٌ تستحق من عقلاء المجتمع ومفكريه ومربيه نقاشاً متأنياً، ودراسةً فاحصةً.
قد يكونُ هذا المسيءُ جانياً، وقد يكون ضحية!
وفي الحالتين هو أنموذجٌ مَرَضيٌّ غيرُ مَرْضِيّ يجبُ أن تمتدُّ إليه أيدي المصلحينَ علاجاً أو بتراً.
لقد تكفل نظام الجرائم المعلوماتية بوضعِ العقوباتِ الرادعة، فنصت المادة الثالثة منه على أنه يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن سنةٍ وبغرامةٍ لا تزيد على خمسمئة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين كلُّ شخص يرتكب التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة.
ولكنّ العقوبة هي حائطُ الصدِّ الأخير، والأحبُّ إلينا أنْ يتحلى المجتمعُ بأدبِ الإسلامِ وأخلاق الكرامِ عن محبةٍ واقتناعٍ.
إن حرية الرأي التي أتاحتها هذه الشبكاتُ، تعتبر مزيةٌ للمجتمعاتِ الحيةِ، تزيدها صحةً وعافيةً. والإشكالُ هو في تجاوز حدود الأخلاق، وكسر قيود الآداب، وانتهاك الحرماتِ، واصطناع قاموس البذاءاتِ.. إنها سلوكياتٌ سيئةٌ مريضةٌ ولو حاول أصحابها إلباسها ثوب (الإصلاحِ) و(النقد).. والله لا يصلح عمل المفسدين.